فصل: مَا جَاءَ في قِيَاسِ النُّقْصَانِ في بَصَرِ الْعَيْنِ وَسَمْعِ الْأُذُنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَأْتِي بِعَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ قِيمَةَ دِيَةِ الْجَنِينِ):

مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَأْتِي بِعَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ قِيمَةَ دِيَةِ الْجَنِينِ هَلْ يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ؟
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا جَاءَ في الْجَنِينِ مِنْ الْحَدِيثِ: إنَّ فيهِ الْغُرَّةَ، أَرَأَيْت إنْ جَاءَهُمْ بِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، أَيُجْبَرُونَ عَلَى أَخْذِ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي خَرَجَ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِهَا ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ بَعْدَهُ، أَتَرِثُ الْأُمُّ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ هُوَ بَعْدَهَا وَقَدْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا، يَرِثُ هَذَا أُمَّهُ أَمْ لَا؟ نَعَمْ يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا في مَسَائِلِكَ هَذِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَقَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِأَبِيهِ امْرَأَةٌ أُخْرَى حَامِلٌ فَوَلَدَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْجَنِينِ وَلَدًا حَيًّا، أَيَرِثُ مِنْ دِيَةِ هَذَا الْجَنِينِ شَيْئًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: دِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ، فَأَرَى لِهَذَا الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْأَخِ الْجَنِينِ مِيرَاثَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا يَوْمَ خُرُوجِ الْجَنِينِ مَيِّتًا وَوَجَبَتْ فيهِ الدِّيَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَيِّتًا لَوْ مَاتَ، وَلِأَبِيهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ، وَلَا ابْنَ لِلْمَيِّتِ، أَنَّ لِلْحَمْلِ مِيرَاثَهُ مِنْ هَذَا الْمَيِّتِ إذَا خَرَجَ حَيًّا، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ في الْجَنِينِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، ثُمَّ خَرَجَ آخَرُ حَيًّا فَعَاشَ أَوْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا فَمَاتَ مَكَانَهُ، كَانَ لِهَذَا الَّذِي خَرَجَ حَيًّا مِيرَاثُهُ مِنْ هَذَا الَّذِي خَرَجَ مَيِّتًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: دِيَةُ الْجَنِينِ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ.
قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَ خَرَجَ الْجَنِينُ مَيِّتًا قَبْلَ أَخِيهِ الْحَيِّ أَوْ بَعْدَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ سَوَاءٌ، وَهُوَ يَرِثُهُ إذَا كَانَ خُرُوجُهُ بَعْدَهُ وَهُوَ حَيٌّ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ الْوَالِدَ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَإِنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَةِ الْجَنِينِ شَيْئًا وَلَا يَحْجُبُ، وَهِيَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ جَنِينَ الذِّمِّيَّةِ كَمْ فيهِ؟
قَالَ: عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ أَوْ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ وَهُوَ سَوَاءٌ.
قُلْت: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى في هَذَا سَوَاءٌ؟ قَالَ نَعَمْ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الَّذِي ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا فَمَاتَ بَعْدَمَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا؟
قَالَ: الَّذِي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهُ، إنَّمَا هُوَ في الْخَطَأِ.
وَأَنَا أَرَى فيهِ الدِّيَةَ بِقَسَامَةٍ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُسْلِمَةً وَالْأَبُ مُسْلِمًا.
وَإِنْ ضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ اسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ، فَإِنَّ فيهِ الْقَسَامَةَ يَقْتَسِمُونَ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَيَقْتُلُونَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَكُونُ الْعَمْدُ في الْمَرْأَةِ، إلَّا أَنْ يَضْرِبَ بَطْنَهَا خَاصَّةً تَعَمُّدًا، فَذَلِكَ الَّذِي يَكُونُ فيهِ الْقِصَاصُ بِقَسَامَةٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ النَّصْرَانِيِّ وَهِيَ حَامِلٌ، فَضَرَبَ رَجُلٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا؟
قَالَ: لَا قَسَامَةَ في هَذَا، وَفيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في النَّصْرَانِيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ وَفي بَطْنِهَا جَنِينٌ: إنَّ في جَنِينِهَا مَا في جَنِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ، حَلَفَ وَرَثَتُهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَاسْتَحَقُّوا دِيَتَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ في النَّصْرَانِيِّ يُقْتَلُ فيأْتِي وُلَاتُهُ بِشَاهِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدْلٍ: إنَّهُمْ يَحْلِفُونَ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ نَصْرَانِيًّا.
فَكَذَلِكَ جَنِينُ النَّصْرَانِيَّةِ إذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا، فَإِنَّمَا فيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ لَمَاتَ مِمَّا فَعَلَ بِهِ وَاسْتَحَقُّوا دِيَتَهُ.

.مَا جَاءَ في قِيمَةِ جَنِينِ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَفي الْأَبِ يَجْنِي عَلَى ابْنِهِ بِخَطَأٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا جَاءَ في الْجَنِينِ مِنْ الْحَدِيثِ: إنَّ فيهِ الْغُرَّةَ.
أَرَأَيْت إنْ جَاءَهُمْ بِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، أَيُجْبَرُونَ عَلَى أَخْذِ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ قِيمَةَ الْغُرَّةِ في الدَّرَاهِمِ إنَّمَا هِيَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَمَةَ، كَمْ في جَنِينِهَا؟
قَالَ: في جَنِينِهَا عُشْرُ قِيمَتِهَا كَجَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لِجَنِينِ الْأَمَةِ أَبٌ، وَهُوَ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ، هَلْ يُلْتَفَتُ إلَى قِيمَتِهِ، أَوْ يُجْعَلُ فيهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ عَبْدًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُلْتَفَتُ في جَنِينِ الْأَمَةِ إلَى وَالِدِهِ - عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا - إنَّمَا فيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ في جَنِينِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا كَانَ مِنْ سَيِّدِهَا: إنَّ فيهِ مَا في جَنِينِ الْحُرَّةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَ الْأَبُ ابْنَهُ خَطَأً، أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَلَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا - عِنْدَ مَالِكٍ - وَيَرِثُ مِنْ مَالِهِ.
قُلْت: وَإِذَا كَانَ عَمْدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ شَيْئًا وَلَا مِنْ مَالِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْجَنِينِ إذَا ضُرِبَتْ أُمُّهُ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا؟
قَالَ مَالِكٌ: فيهِ دِيَةُ الْجَنِينِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا، وَإِذَا ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْهُ حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: فيهِ الْقَسَامَةُ وَدِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
قَالَ: بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ ضُرِبَ فَتَكَلَّمَ وَعَاشَ أَيَّامًا ثُمَّ مَاتَ فَفيهِ الْقَسَامَةُ، وَاَلَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ فَلَا قَسَامَةَ فيهِ.
وَكَذَلِكَ الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَلَا قَسَامَةَ فيهِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ حَيًّا قَدْ اسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ، فَلَا يَدْرِي أَمِنْ ضَرْبَتِهِ مَاتَ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَفيهِ الْقَسَامَةُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ ضَرَبَهَا عَمْدًا فَأَلْقَتْهُ حَيًّا فَاسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ؟
قَالَ: إنَّمَا سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا ضَرَبَهَا رَجُلٌ خَطَأً فَأَلْقَتْهُ حَيًّا فَاسْتَهَلَّ صَارِخًا ثُمَّ مَاتَ.
قَالَ مَالِكٌ: فيهِ الْقَسَامَةُ وَالْعَقْلُ، وَأَرَى في الْعَمْدِ في مَسْأَلَتِكَ الْقَسَامَةَ وَالْقَوَدَ.

.في رَجُلٍ وَصَبِيٍّ قَتَلَا رَجُلًا عَمْدًا أَوْ ضَرَبَهُ الصَّبِيُّ خَطَأً وَالرَّجُلُ عَمْدًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا اجْتَمَعَ في قَتْلِ رَجُلٍ صَبِيٌّ وَرَجُلٌ فَقَتَلَاهُ عَمْدًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُقْتَلُ الرَّجُلُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ رَمْيَةُ الصَّبِيِّ خَطَأً وَرَمْيَةُ الرَّجُلِ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا؟
قَالَ: الَّذِي أَرَى وَأَسْتَحِبُّ، أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، لِأَنِّي لَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ.
وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ إذَا كَانَ الْعَمْدُ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا - فَعُفي عَنْهُ وَكَانَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أُثْبِتَتْ عَلَيْهِ، أَوْ بِقَسَامَةٍ اسْتَحَقَّ الدَّمَ بِهَا قَبْلَهُ عَمْدًا فَعُفي عَنْهُ - قَالَ مَالِكٌ: فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَتَلَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَمْدًا أَوْ عَبْدًا عَمْدًا، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا الرَّجُلِ عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ هَذَا الرَّجُلُ، أَيُضْرَبُ هَذَا الرَّجُلُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا؟
قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَوْ عَبْدًا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، قَتَلَا رَجُلًا مَنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، أَتَضْرِبُهُمَا مِائَةً وَتَحْبِسُهُمَا عَامًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الَّذِي يَقْتُلُ عَمْدًا فيعْفُوا أَوْلِيَاءُ الدَّمِ عَنْهُ: إنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ عَامًا، فَأَرَى في هَذَا أَنَّهُمَا يَضْرِبَانِ مِائَةً وَيَحْبِسَانِ عَامًا كُلَّ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا إذَا عُفي عَنْهُمْ، عَبِيدًا كَانُوا أَوْ إمَاءً أَوْ أَحْرَارًا، مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ ذِمِّيِّينَ أَوْ عَبِيدًا لِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَهُمْ في ذَلِكَ سَوَاءٌ.
قُلْت: فَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ وَلِيًّا لِي عَمْدًا فَعَفَوْتُ عَنْهُ، وَلَمْ أَشْتَرِطْ أَنِّي إنَّمَا عَفَوْتُ عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي أَوْ لِسَيِّدِهِ، أَيَكُونُ لِي أَوْ لِسَيِّدِهِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ الدَّمِ في الْعَمْدِ وَالْقَاتِلُ حُرٌّ وَلَا يَشْتَرِطُ الدِّيَةَ ثُمَّ طَلَبَ الدِّيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لَهُ سَبَبٌ أَرَادَهُ، فيحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا عَفَوْتُ عَنْهُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ، وَمَا كَانَ عَفْوِي عَنْهُ تَرْكًا لِلدِّيَةِ، ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ.
وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَيْسَ فيهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْهُ لِيَسْتَحْيِيَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ سَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ.
قُلْت: فَلَوْ عَفَا وَلِيُّ الدَّمِ، إذَا كَانَ عَمْدًا، عَنْ الْعَبْدِ، عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ وَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ: لَا أَدْفَعُهُ إلَيْك إمَّا أَنْ تَقْتُلَ وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَ؟
قَالَ: لَا يَنْظُرُ إلَى قَوْلِ سَيِّدِ الْعَبْدِ، وَيَأْخُذُهُ هَذَا الَّذِي عَفَا عَنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ الْعَبْدُ.
كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الدِّيَةَ وَيَأْخُذَ الْعَبْدَ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ عَفَوْتُ عَنْ هَذَا الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِي - وَقَدْ قَتَلَ وَلِيِّي عَمْدًا فَأَخَذْتُهُ - أَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ وَذَلِكَ رَأْيِي.

.مَا جَاءَ في الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ مَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَيَكُونُ فيهِ الْإِبِلُ أَمْ الدَّنَانِيرُ - عَلَى الضَّارِبِ - أَمْ الْغُرَّةُ أَمْ الدَّرَاهِمُ؟
قَالَ مَالِكٌ: في الْغُرَّةِ الَّتِي قَضَى فيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْحُمْرَانُ مِنْ الرَّقِيقِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السُّودَانِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَانُ مِنْ الرَّقِيقِ قَلِيلَةً في الْأَرْضِ الَّتِي يُقْضَى فيهَا بِالْغُرَّةِ فيؤْخَذُ مِنْ السُّودَانِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْقِيمَةُ في ذَلِكَ خَمْسُونَ دِينَارًا أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ الْقِيمَةُ عِنْدَنَا كَالسَّنَةِ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فيهَا، وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ حَسَنًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَفي هَذَا - مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ، أَنَّ عَلَيْهِمْ غُرَّةً وَلَيْسَتْ بِإِبِلٍ.
وَقَدْ قَضَى فيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُرَّةِ - وَالدِّيَةُ يَوْمَئِذٍ إبِلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ الْإِبِلَ، وَإِنَّمَا قَوَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ الدِّيَةَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ حِينَ صَارَتْ.
أَمْوَالُهُمْ ذَهَبًا وَوَرِقًا وَتَرَكَ دِيَةَ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ عَلَى حَالِهَا - وَالْغُرَّةُ إنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمَةٌ - عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً - أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَيْسَ الْخَمْسُونَ دِينَارًا في الْغُرَّةِ وَلَا السِّتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ، وَالدِّيَةُ فيهِ إنَّمَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ في حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الَّذِي يَذْكُرُهُ عَنْ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فيهِ بِالْغُرَّةِ عَبْدًا وَوَلِيدَةً».
وَفي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الَّذِي يَذْكُرُهُ عَنْهُ مَالِكٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في الْجَنِينِ يُقْتَلُ في بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدًا وَوَلِيدَةً».
وَفي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّ الْغُرَّةَ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ لِي مَالِكٌ في الْغُرَّةِ الَّتِي قَضَى فيهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْحُمْرَانُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السُّودَانِ.
وَرَخَّصَ في السُّودَانِ عَلَى حَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ إذَا كَانَ الْحُمْرَانُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ قَلِيلًا، أَنْ يُؤْخَذَ السُّودَانُ.
وَذُكِرَ في التَّقْوِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالسُّنَّةِ، فَإِنَّمَا دِيَةُ الْجَنِينِ عَبْدًا وَوَلِيدَةً أَيْنَمَا وَقَعَتْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى مَنْ وَقَعَتْ، وَلَا يُلْتَفَتُ فيهِ إلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَكَذَلِكَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُرَّةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ في الْجَنِينِ»، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ في الْجَنِينِ إبِلٌ لَكَانَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ وَرِقٌ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ ذَهَبٌ، وَلَكِنَّهَا عَلَى مَا قَضَى فيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا كَانَتْ إبِلًا، عِنْدَمَا قَضَى فيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى في الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ، فَإِنَّمَا وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبِلٍ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَضَى في الْغُرَّةِ بِعَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ.

.الْإِقْرَارُ بِقَتْلٍ خَطَأٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالْقَتْلِ خَطَأً، أَتَجْعَلُهُ في مَالِهِ - في قَوْلِ مَالِكٍ - أَمْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُقِرُّ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَقَالَ لِي مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُنْظَرَ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ مِمَّنْ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَرَادَ غِنَى وَلَدِهِ - مِثْلَ الْأَخِ وَالصَّدِيقِ - لَمْ أَرَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ بِقَتْلِهِ مِنْ الْأَبَاعِدِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فيهِ، رَأَيْتُ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا وَلَمْ يُخَفْ أَنْ يَكُونَ أُرْشِيَ عَلَى ذَلِكَ لِيُحَابِيَ بِهِ أَحَدًا.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَعَلَى مَنْ عَقْلُهُ؟
قَالَ: عَلَى عَاقِلَتِهِ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَفَبِقَسَامَةٍ أَمْ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ؟
قَالَ: بَلْ بِقَسَامَةٍ، يُقْسِمُ وُلَاةُ الدَّمِ ثُمَّ يَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ قِبَلَ الْعَاقِلَةِ.
قُلْت: فَإِنْ أَبَى وُلَاةُ الدَّمِ أَنْ يُقْسِمُوا، أَتُجْعَلُ الدِّيَةُ في مَالِ هَذَا الْمُقِرِّ؟
قَالَ: لَا، وَلَا أَرَى لَهُمْ شَيْئًا لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُضْرَبُ فيقُولُ: فُلَانٌ قَتَلَنِي خَطَأً، أَتَرَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قُلْت: فَالْعَقْلُ عَلَى مَنْ هُوَ، أَعَلَى الْقَاتِلِ في مَالِهِ أَمْ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ أَقْسَمُوا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ في مَالِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ.
فَكَذَلِكَ إقْرَارُ هَذَا بِالْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ - في قَوْلِ مَالِكٍ - عَلَى الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ، إنَّمَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِقَسَامَةٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ في مَالِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً، وَأَقْسَمَ الَّذِينَ أَقَرَّ لَهُمْ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لَهُمْ عَلَى عَاقِلَةِ هَذَا الَّذِي أَقَرَّ بِهَا.
أَتَجْعَلُهَا عَلَيْهِمْ في ثَلَاثِ سِنِينَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا هِيَ في ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَكَ عَشَرَةُ رِجَالٍ في قَتْلِ رَجُلٍ خَطَأً - وَهُمْ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى - أَتُجْعَلُ عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ عُشْرُ الدِّيَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ؟
قَالَ: نَعَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا وَقَعَ ثُلُثُ الدِّيَةِ عَلَى عَشَرَةِ رِجَالٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى حَمَلَتْهُ عَنْهُمْ الْعَاقِلَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ جَنَى رَجُلٌ وَاحِدٌ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ تَحْمِلْهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا - وَقَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ - فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَرَّ رَجُلَانِ بِقَتْلِ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقَالَا: قَتَلَهُ فُلَانٌ مَعَنَا.
قَالَ: أَمَّا في الْعَمْدِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا أَقَرَّا، وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ اعْتِرَافًا لَا بِقَسَامَةٍ مِنْ وُلَاةِ الدَّمِ.
قُلْت: أَفيقْسِمُ وُلَاةُ الدَّمِ عَلَى الَّذِي قَالَا فيهِ قَتَلَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَ هَذَيْنِ: قَتَلَهُ فُلَانٌ مَعَنَا لَوْثُ بَيِّنَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَةً تَامَّةً لَجَعَلْتُهَا بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَأَجَزْتُهَا كُلَّهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ وُلَاةُ الدَّمِ: نَحْنُ نُقْسِمُ عَلَيْكُمَا وَنَدَعُ هَذَا الْمُنْكَرَ.
أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نُقْسِمُ عَلَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْقَسَامَةَ تَكُونُ إلَّا في الدِّيَةِ كَامِلَةً.
قَالَ سَحْنُونٌ: اخْتَلَفَ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: الْمَخْزُومِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ اعْتِرَافًا وَلَا إقْرَارًا وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْمُقِرَّيْنِ في أَمْوَالِهِمَا.
وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا: إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ مَعَنَا خَطَأً؛ لِأَنَّهُمَا يُرِيدَانِ أَنْ يَدْفَعَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بَعْضَ الْغُرْمِ بِشَهَادَتِهِمَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِشَاهِدَيْنِ.
وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ: إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، فَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ في مَالِهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ مَعِي.
فَإِنْ كَانَ مَعَ إقْرَارِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ يَشْهَدُ عَلَى الْقَتْلِ خَطَأً، أَخْرَجَهُ الشَّاهِدُ مِنْ الْغُرْمِ وَالْإِقْرَارِ وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ مَعَ الشَّاهِدِ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ في قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [سُورَةُ الدَّهْرِ] قَالَ: نَضْرَةً: حُسْنًا في الْوُجُوهِ وَسُرُورًا: في الْقُلُوبِ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ غَيْلَانِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: صَلَاحٌ.
قُلْت: صَلَاحُ عَمَلٍ صَلَاحُ عَمَلٍ صَلَاحٌ فيهِ.
مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سَفَرٍ، فَسَمِعَ مُنَادِيًا يُنَادِي: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَرَجَ مِنْ النَّارِ فَابْتَدَرْنَاهُ فَإِذَا هُوَ شَابٌّ حَبَشِيٌّ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ في بَطْنِ وَادٍ، فَأَدْرَكَتْهُ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَأَذَّنَ لِنَفْسِهِ».

.(مَا جَاءَ في أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى يَفْقَأُ عَيْنَ رَجُلِ الْيُمْنَى):

مَا جَاءَ في أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى يَفْقَأُ عَيْنَ رَجُلِ الْيُمْنَى وَفي الْقِصَاصِ في الْيَدِ وَفي الْأَسْنَانِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ الْيُمْنَى خَطَأً، كَمْ يَكُونُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ فَقَأَهَا عَمْدًا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا؛ فَقَالَ لِي: إنَّمَا هِيَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، مِثْلُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ الْيُمْنَى قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ، أَوْ قَطَعَ الرِّجْلَ الْيُمْنَى قَطَعَ رِجْلَ رَجُلٍ الْيُمْنَى، إنَّهُ لَا قِصَاصَ فيهِ لَكِنْ فيهِ الدِّيَةُ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَالْعَيْنُ مِثْلُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فيهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُقْتَصُّ لِلْيُسْرَى بِالْيُمْنَى وَلَا لِلْيُمْنَى بِالْيُسْرَى، فَفي الَّذِي قَالَ لِي مَالِكٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ كَذَلِكَ أَيْضًا، لَا يُقْتَصُّ عَيْنٌ يُمْنَى بِيُسْرَى وَلَا يُسْرَى بِيُمْنَى، وَالْأَسْنَانُ أَيْضًا كَذَلِكَ: الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةُ بِالرُّبَاعِيَّةِ وَالْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى، وَلَا تُقَادُ سِنٌّ إلَّا بِمِثْلِهَا سَوَاءٌ في صِفَتِهَا وَمَوَاضِعِهَا لَا غَيْرَ ذَلِكَ.
وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى الْعَقْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُ الَّذِي طُرِحَ لَهُ فيقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِذَا كَانَ لَا قِصَاصَ فيهِ، فَكَمْ الْعَقْلُ فيهِ وَعَلَى مَنْ الْعَقْلُ؟
قَالَ: الْعَقْلُ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ في مَالِ هَذَا الْأَعْوَرِ الْجَانِي وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

.مَا جَاءَ في الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ:

قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْأَعْوَرِ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ.
فَقَالَ: إنْ أَحَبَّ الصَّحِيحُ أَنْ يَقْتَصَّ اقْتَصَّ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ دِيَةُ عَيْنِهِ.
ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصَّ اقْتَصَّ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ دِيَةُ عَيْنِ الْأَعْوَرِ، أَلْفُ دِينَارٍ.
وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَعْجَبُ إلَيَّ، إنَّمَا هُوَ في الْأَعْوَرِ إذَا فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ - وَعَيْنُ الْأَعْوَرِ الْبَاقِيَةِ هِيَ مِثْلُ تِلْكَ الْعَيْنِ - تَكُونُ عَيْنُ الْأَعْوَرِ الْيُمْنَى بَاقِيَةً فيفْقَأُ عَيْنَ رَجُلٍ الْيُمْنَى، أَوْ تَكُونُ الْيُسْرَى بَاقِيَةً فيفْقَأُ عَيْنَ رَجُلٍ الْيُسْرَى.
فَأَمَّا رَجُلٌ أَعْوَرُ الْعَيْنِ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ الْيُمْنَى فَهَذَا قِصَاصٌ فيهِ فيمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ وَفيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِيَةُ عَيْنِهِ.
إنْ كَانَ الْمَفْقُودَةُ عَيْنُهُ صَحِيحَةٌ عَيْنُهُ فَخَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَعْوَرَ فَأَلْفُ دِينَارٍ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ لَهُ في عَيْنِ الْجَانِي، وَلِأَنَّ دِيَةَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ عِنْدَ مَالِكٍ أَلْفُ دِينَارٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ عَمْدًا أَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ يَكُونُ ذَلِكَ في مَالِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ في مَالِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَهَبَ سَمْعُ إحْدَى أُذُنَيْهِ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ فَأَذْهَبَ سَمْعَ أُذُنِهِ الْأُخْرَى، أَتَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَمْ نِصْفُ الدِّيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَلَا تَكُونُ الدِّيَةُ - عِنْدَ مَالِكٍ - في شَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا هُوَ زَوْجٌ في الْإِنْسَانِ إلَّا في عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَحْدَهَا، فَإِنَّ فيهَا الدِّيَةَ كَامِلَةً عِنْدَ مَالِكٍ؟
قُلْت: فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ؟ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ الْبَاقِيَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً.
وَقَدْ قَالَ في الَّذِي قَدْ ذَهَبَ سَمْعُ إحْدَى أُذُنَيْهِ: إنَّ في سَمْعِ أُذُنِهِ الْبَاقِيَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: السُّنَّةُ الَّتِي جَاءَتْ في عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَحْدَهُ، أَنَّ في عَيْنِهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً - أَلْفَ دِينَارٍ - وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا هُوَ زَوْجٌ في الْإِنْسَانِ، مِثْلُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالسَّمْعِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، فَإِنَّ في كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ الدِّيَةِ، مَا ذَهَبَ مِنْهُ أَوَّلَ أَوْ آخِرَ، فَهُوَ سَوَاءٌ.

.مَا جَاءَ في الرَّجُلِ يَشُجُّ مُوضِحَةً خَطَأً أَوْ مَأْمُومَةً أَوْ جَائِفَةً:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا فَشَجَّهُ مُوضِحَةً خَطَأً، لِمَ قُلْت لَا يُحْكَمُ لَهُ بِدِيَةِ الْمُوضِحَةِ حَتَّى يُنْظَرَ إلَى مَا يَصِيرُ إلَيْهِ؟ وَلِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ، لَا يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ إلَّا بَعْدَ الْبِئْرِ، وَهَذَا الْمَشْجُوجُ مُوضِحَةً يَقُولُ: أَعْطِنِي عَقْلَ مُوضِحَتِي فَإِنْ زَادَتْ مُوضِحَتِي زِدْتَنِي؟
قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مِنْهَا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بَعْدَ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ؟ فَأَنْتَ لَا تَدْرِي عَلَى مَنْ وَجَبَتْ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ مَأْمُومَةً خَطَأً، أَلَيْسَ الْعَاقِلَةُ تَحْمِلُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَكَ: أَعْطِنِي عَقْلَ مَأْمُومَتِي وَتَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ فَإِنْ مِتُّ مِنْهَا حَمَلَتْ الْعَاقِلَةُ تَمَامَ الدِّيَةِ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ إنْ مَاتَ مِنْهَا إلَّا بِقَسَامَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْتَظِرَ بِالْعَاقِلَةِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَصِيرُ إلَيْهِ مَأْمُومَتُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَشْجُوجَ مَأْمُومَةً، أَلَيْسَ إنْ مَاتَ - وَقَدْ انْتَظَرْت حَتَّى تَعْرِفَ مَا تَصِيرُ إلَيْهِ مَأْمُومَتَهُ فَأَبَى وَرَثَتُهُ أَنْ يُقْسِمُوا - جُعِلَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِمَأْمُومَتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَقَدْ أَوْجَبْتَ في الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إنْ مَاتَ أَوْ عَاشَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ - في قَوْلِ مَالِكٍ - فَلِمَ تُجِيبُهُ بِذَلِكَ؟
قَالَ: هَذَا الَّذِي سَمِعْنَا وَإِنَّمَا هُوَ الْإِتْبَاعُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ خَطَأً؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُنْتَظَرُ بِهِ، فَإِنْ نَبَتَتْ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ عَقْلُ سِنٍّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيُؤْخَذُ الْعَقْلُ فيوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى يَنْظُرَ مَا تَصِيرُ إلَيْهِ السِّنُّ، فَإِنْ عَادَتْ لِهَيْئَتِهَا لَمْ يَكُنْ فيهَا شَيْءٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الصَّبِيَّ الَّذِي قُلِعَتْ سِنُّهُ، فَانْتَظَرْتُ بِهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ سِنُّهُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُثْغَرَ، هَلْ يَجِبُ عَقْلُ السِّنِّ عَلَى الَّذِي قَلَعَهَا أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ قَدْ وَجَبَ عَقْلُهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَلَعَ رَجُلٌ ظُفْرَ رَجُلٍ خَطَأً، مَا عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ بَرَأَ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَرَأَ عَلَى عَثَمٍ كَانَ فيهِ الِاجْتِهَادُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ عَمْدًا، أَيُقْتَصُّ مِنْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.مَا جَاءَ في رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَذَهَبَ مِنْهَا سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا خَطَأً فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ، أَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَتَانِ وَدِيَةُ الْمُوضِحَةِ أَيْضًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ صَارَتْ جِنَايَتُهُ في هَذِهِ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، فَالْعَاقِلَةُ تَحْمِلُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَشَجَّهُ مَأْمُومَةً وَمُوضِحَةً، أَنَّ عَقْلَ الْمُوضِحَةِ وَالْمَأْمُومَةِ جَمِيعًا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ هَذَا قَدْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَشَجَّهُ مَأْمُومَةً وَمُوضِحَةً في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْهَا سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً وَمَأْمُومَةً في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَعَقَلَتْ الْعَاقِلَةُ الْمَأْمُومَةَ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَعَقْلَهُ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ بِالْمَضْرُوبِ، فَإِذَا بَرِئَ وَجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْقِصَاصُ في الْمُوضِحَةِ وَيُنْتَظَرُ بِهِ إذَا اُقْتُصَّ مِنْهُ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ يَذْهَبُ مِنْهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ، فَإِنْ بَرَأَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَمْ يَذْهَبْ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ في مَالِهِ عَقْلُ سَمْعِ الْأَوَّلِ وَعَقْلِهِ.
قُلْت: وَيَجْتَمِعُ في قَوْلِ مَالِكٍ في ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قِصَاصٌ وَعَقْلٌ؟ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَقْطَعُ أُصْبُعَهُ فينِزَّا فيهَا فَتُشَلُّ مِنْ ذَلِكَ يَدُهُ أَوْ أُصْبُعٌ أُخْرَى: إنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْأُصْبُعِ وَيُسْتَأْنَى بِالْمُقْتَصِّ مِنْهُ، فَإِنْ بَرَأَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَمْ تُشَلَّ يَدُهُ عُقِلَ ذَلِكَ في مَالِهِ.
وَقَالَ لِي مَالِكٌ: هَذَا أَمْرٌ قَدِيمٌ اخْتَلَفَ وَهَذَا الَّذِي اسْتَحْسَنْتُ وَهُوَ أَحَبُّ مَا فيهِ إلَيَّ.

.مَا جَاءَ في قِيَاسِ النُّقْصَانِ في بَصَرِ الْعَيْنِ وَسَمْعِ الْأُذُنِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْأُذُنَيْنِ، كَيْفَ يُعْرَفُ ذَهَابُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْهُمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ في الْعَيْنِ إذَا أُصِيبَتْ فَنَقَصَ بَصَرُهَا، إنَّهُ تُغْلَقُ الصَّحِيحَةُ وَتُقَاسُ لَهُ الَّتِي أُصِيبَتْ بِأَمْكِنَةٍ تُخْتَبَرُ بِهَا، فَإِذَا اتَّفَقَ قَوْلُهُ في تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ قِيسَتْ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ نُظِرَ: كَمْ انْتَقَصَتْ هَذِهِ الْمُصَابَةُ مِنْ الصَّحِيحَةِ فيعْقِلُ لَهُ قَدْرَ ذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: وَالسَّمْعُ كَذَلِكَ.
قُلْت: فَكَيْفَ يَقِيسُونَ بَصَرَهُ؟
قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّهُ تُوضَعُ لَهُ الْبَيْضَةُ أَوْ الشَّيْءُ في مَكَان.
فَإِنْ أَبْصَرَهَا حُوِّلَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ قِيَاسُ ذَلِكَ سَوَاءً أَوْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا صَدَقَ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قُلْت: فَالسَّمْعُ كَيْفَ يُقَاسُ؟
قَالَ: يُخْتَبَرُ بِالْأَمْكِنَةِ أَيْضًا حَتَّى يُعْرَفَ صِدْقُهُ مِنْ كَذِبِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَهُ فَادَّعَى الْمَضْرُوبُ أَنَّ جَمِيعَ سَمْعِهِ ذَهَبَ، أَوْ قَالَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرِي وَلَا أُبْصِرُ شَيْئًا، يَتَصَامَمْ وَيَتَعَامَى: أَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: الظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، فَأَرَى إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ مَعَ يَمِينِهِ.